إلى إيميلي: الوزير يغير المنهاج بمفرده

عزيزتي إيميلي،

أكتب إليك هذه الكلمات وأنا أشعر كما لو أن هواجس الطفولة تعود من جديد، بعد أن تغلبنا على كوابيس الحاضر. البارحة، صدر عن وزير التربية والتعليم قرارٌ بإلغاء مادة التربية الوطنية وإجراء تغييرات في المناهج الدراسية، وشطب بعض العبارات والصور. في البداية، بدت هذه الأخبار كغيرها مما اعتدنا سماعه، ولكن شيئًا في هذا القرار أثقل روحي وأثار في داخلي دوامات من التفكير.

أزعج محتوى التغييرات أغلبية المعترضين، وركز المدافعون على تبرير صحتها، لكن ما أزعجني هو طبيعتها. يومًا ما، كنت مولعًا باللغة العربية. قرأت دواوين الشعراء الجاهليين بنهم، وعشقت شعر طرفة بن العبد، وغُصت في أعماق كتاب “البخلاء” للجاحظ في سنٍ مبكرة. كنت أشعر أن العربية بحرٌ لا ينضب، وأنني أسبح فيه بحرية وفرح. لكن في الصف التاسع، جاء ذلك المدرس الذي سأل سؤالاً بسيطًا عن همزة الوصل وهمزة القطع. كنت أعرف الإجابة، رفعتُ يدي بحماس الأطفال الذين يحبون ما يتعلمونه. أجبت بما قرأته في كتاب مبسط، ولكن ردة فعله كانت صادمة: هجوم حاد، وسخرية قاسية، وكأنه أراد أن يعلمني درسًا في الخضوع لا في النحو. منذ ذلك اليوم، بدأ شغفي بالعربية يتلاشى. لم أعد أقرأ الشعر، ولم أعد أبحث في قواعد اللغة، بل انتقلت إلى الإنجليزية وكأنني أهرب من خيبة أمل عميقة.

ما يفعله الوزير الآن، يا إيميلي، ليس مختلفًا. قرر الوزير، وهو للمصادفة مدرس لغة عربية أيضًا، وبدون استشارة لجان مختصة، أن يعدل المناهج في يوم عطلة رسمية، وكأنه يمسك بقلم أحمر ليصحح أخطاء طلاب مبتدئين. هذا التصرف، إيميلي، يُشبه ذلك المدرس الذي يعتقد أنه يملك الحقيقة المطلقة، ويفرضها دون تردد، دون أن يسأل نفسه ولو مرة واحدة: هل ما أفعله صائب؟ هل أملك المعرفة الكافية؟ هذه التغييرات، حتى لو كانت ضرورية، لا يمكن أن تُنفَّذ بهذه الطريقة الفردية والمستعجلة. المناهج الدراسية ليست نصوصًا عابرة يمكن حذف فقرات منها وإضافة أخرى بمجرد قرار، بل هي انعكاس لمجتمع بأكمله، لتاريخه، لهويته، ولأحلامه أيضًا. كيف يمكن لوزير في حكومة تصريف أعمال —وظيفتها الأساسية هي الحفاظ على استقرار الخدمات— أن يتخذ قرارات بهذا الحجم دون العودة إلى لجان مختصة، ودون نقاش عام؟

أفكر أحيانًا، هل يدرك هؤلاء الذين يملكون السلطة حجم ما يفعلونه؟ هل يفكرون مع إدراك لحجم المسؤولية التي يتولونها، أم يفكرون بذات أطر التعامل مع عوائلهم؟

على عكس ما يُحب أن يعتقد أنصار الهيئة، فهي لم تنتصر على النظام البائد بقوتها، وما تمتلكه من قوة لا يكف للسيطرة على الأراضي السورية. فوق ذلك ما زالت السويداء، والمناطق الشرقية خراج سلطة غرفة العمليات، ومناطق الجيش الوطني في الشمال، والساحل، ودرعا قد تخرج عن سيطرة الحكومة المؤقتة في أي لحظة إذا شعروا بالتهديد، وكل ذلك في جو دولي وإقليمي مستعد للتدخل فوراً لتشكل نظام يخدم أهدف الجهات الأجنبية الخاصة. ما يبقي الدولة قائمة اليوم هو عامة الشعب المنتظر بصبر في المدن الرئيسية. وماذا يمكن أن يحدث انشقاقاً في صفوف هذه الفئة؟ التصرفات الفردية التي توحي بعودة الديكتاتورية. إن مناهج التعليم ليست مجرد أدوات لنقل المعرفة، بل هي القالب الذي تتشكل وفقه عقول الأطفال ومسيرة الأجيال. وعندما يُقرر شخص واحد أن يعيد صياغة هذا القالب وفقًا لرؤيته الخاصة، فإننا نفقد شيئًا عظيمًا: توازننا، وشعورنا الجماعي بأننا نعمل معًا من أجل غدٍ أفضل.

أنا لست، بأي شكل من الأشكال، من مؤيدي الهيئة، لكنني أريدها أن تنجح في هذه المرحلة الحرجة، ولكي تنجح لا يجب أن يبدو أن شخصًا منفردًا يستطيع أن يقرر بشكلٍ عرضي ما هو الصحيح وما هو الخطأ، ما الحقيقي وما الوهمي، وما يدخل في الإيمان وما يُخرج منه.

أشعر بالإحباط، ولكنني لا أريد أن أفقد الأمل. ربما كان علينا جميعًا أن نتعلم من أخطاء الماضي، أن نفهم أن التعليم، مثل أي بناء آخر، يحتاج إلى يدٍ حكيمة وعقلٍ متفتح، لا إلى قرارات مرتجلة وأحكام فردية.

أكتب إليكِ هذه الرسالة، لا لأجد إجابات، بل لأشاركك هذا العبء الذي يثقل كاهلي. ربما، ستصل هذه الكلمات إلى من يملك القدرة على التغيير.

دائمًا، بصدق، رافاييل

رسائل إلى إيميلي، دورية يكتبها رافاييل لايساندر