هل يتبنى الشرع نهج الأسد؟

لنتخيل هذا:

يقوم سياسي محنك بتأليف تقرير كيف استطاعة عائلة الأسد الاستيلاء على الحكم في سوريا، تشكيل دولة بعثية، والاحتفاظ بها طوال نصف قرن. ويقع هذا التقرير بين يدي أحمد الشرع، أو دائرة مستشاريه، ويقوم الآن بالاستفادة من تجربة الأسد لخلق دولة مشابهة.

ما نعرفه أن هذا الكتاب موجود (يتوفر حقيقة كتابان، وربما أكثر)، ودراسة حالة الأسد، بالنسبة لأي شخص يعمل في الشأن السوري، ليست أمرًا خاطئًا. بل قد تكون فرضًا– إن ليس لتقليدها، فلتجنب الأخطاء الديكتاتورية، والاستفادة من النجاحات السياسية، خاصة الدولية.

الفكرة وراء هذا التمرين التخيلي، هو أننا بدأنا نرى بعض التشابهات في التجربتين. قد تكون التشابهات ناتجة عند ضرورات يفرضها الواقع. ونأمل أنها ليست ناتجة عن التشابه في ديناميكيات السيطرة، لذلك وجب التنبيه لهذه التشابهات، والخطوط العريضة لخطة عائلة الأسد للسيطرة على الدولة السورية.

النقاط المتشابهة

أولاً

إن جوهر استراتيجية النظام هو هيمنة الطائفة العلوية على الأجهزة العسكرية والأمنية. ورغم أن الطائفة العلوية تمثل 12% فقط من سكان سوريا، فإن نفوذها داخل الجيش يعود إلى فترة الانتداب الفرنسي، عندما جندت القوى الاستعمارية الأقليات بشكل استراتيجي في القوات المسلحة. وقد استغل حافظ الأسد هذا الأساس التاريخي، فوضع العلويين الموالين له في مناصب رئيسية في السلطة. ولكن مع مرور الوقت، أصبحت الروابط العائلية والطائفية بمثابة ضمانات للولاء. وقد ورث بشار الأسد هذا النظام، وعمل على ترسيخ الطائفية عبر التدخل الإيراني. والنتيجة هي جهاز أمني لا يحمي النظام فحسب، بل يجسده، ويضمن استجابة قاسية لأي تهديد.

في الوقت الحالي نلاحظ تشابهًا مع هذا التوجه، حيث أن معظم المؤثرين في الهيئة، أو وزاراتها هم من الإسلاميين السلفيين، مع تقاطعات في المصالح الاقتصادي والعسكرية والعائلية، ورغم كل التطمينات بأن سوريا المستقبل ستمثل جميع السوريين، لم نلحظ حتى الآن أي تمثيل لأطياف الشعب السوري الأخرى.

ثانيًا

القوة الغاشمة وحدها لا تكفي لتأمين النظام بالطبع. لذلك عمل آل الأسد بمهارة على خلق صورة لحكومتهم باعتبارها حامية للأقليات. ويصور هذا السرد النظام باعتباره حصناً ضد هيمنة السنة، ويعد بالسلامة لمجموعات مثل المسيحيين والدروز والإسماعيليين. ومن خلال استحضار مخاوف التهميش أو الاضطهاد، أبرم النظام ميثاقاً مع هذه المجتمعات، التي لا ترى آل الأسد كحكام مستبدين بل كضامنين لبقائهم. وتكتسب هذه التكتيكات قوة عندما تقارن بأمثلة إقليمية للصراع الطائفي، مثل الحرب الأهلية اللبنانية أو عدم الاستقرار في العراق بعد عام 2003. والرسالة واضحة: بدون نظام الأسد، سوف تنزلق سوريا إلى الفوضى، وسوف تتحمل الأقليات وطأة العنف.

يبدو هنا أن الهيئة أدركت أهمية هذه النقطة بالنسبة للمجتمع الدولي، واستفادت من أخطاء معلولا في بداية الثورة، لذلك عملت منذ اليوم الأول على تطمين الأقليات، والظهور أمام المجتمع الدولي بأنها يمكن أن تأخذ دور نظام الأسد في حماية الأقليات، سواء المسيحية، أو الدرزية، أو حتى الكردية، حيث لم تقترب من قوات سوريا الديموقراطية طوال مرحلة المعارك، وتركت الأمر للقوات المدعومة من تركيا.

ثالثًا

استخدم النظام السوري، في عهد حافظ وبشار الأسد، باستمرار استراتيجية الجمود الاستراتيجي، والتي يشار إليها غالبًا باسم “لعبة الانتظار”. لقد تعلم النظام أنه من خلال مقاومة الضغوط الخارجية وانتظار تحول الاهتمام الدولي أو تغيير الحكومات الغربية لأولوياتها، يمكنه التغلب على الأزمات بفعالية دون تقديم تنازلات كبيرة. نجح هذا التكتيك في التعامل مع تحديات مثل العزلة الدولية في أعقاب حرب الخليج الأولى، والعلاقات المتوترة بعد حرب العراق عام 2003، والضغوط بشأن تورط سوريا في لبنان عام 2005.

كما استفادت الحكومة السورية من الأولويات المتغيرة للحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة وأوروبا. لقد أدرك النظام أن التغييرات في القيادة والمشهد السياسي في هذه البلدان غالبًا ما تؤدي إلى التناقضات والافتقار إلى الضغط المستدام. من خلال تحمل الضغوط الأولية والانتظار للتغييرات في الساحة الدولية، كان النظام قادرًا في النهاية على الخروج من الأزمات دون أضرار تذكر.

بشكل مشابه نجحت الهيئة، التي صنفت لفترة طويلة كمنظمة إرهابية، في لعبة الانتظار، وتقدمت بخطى إصلاحية وتنموية في مناطقها بشكل ثابت، حتى استفادت أخيرًا من الوضع الجيوسياسي، سواء بضعف المحور الإيراني، والحرب الروسية الأوكرانية، وحتى تململ الدول الأوربية وتركيا من عدم تقبل النظام لأي حل سياسي يضمن عودة اللاجئين. هذه النقطة بالذات لا تعتبر نقدًا للهيئة، بل تُظهر حنكة سياسية مؤثرة، تتجاوز التفكير الفصائلي المؤقت.

رابعًا

عمل النظام السوري على تنمية التحالفات الاستراتيجية مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية الرئيسية، وخاصة إيران وروسيا. قدم التحالف مع إيران لسوريا دعمًا حاسمًا خلال أوقات العزلة الإقليمية وعزز نفوذها ضد خصومها. لقد أثبت الدعم الروسي، وخاصة في شكل مساعدات عسكرية وغطاء دبلوماسي في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أنه ضروري لبقاء النظام، وخاصة أثناء الثورة السورية. وقد سمحت هذه التحالفات لسوريا بمقاومة الضغوط من القوى الغربية والحفاظ على مكانتها في المنطقة.

ونجد اليوم توجهًا لدى الحكومة المؤقتة لبناء علاقات استراتيجية مع تركيا وقطر، في المرتبة الأولى، واستعداداً للتحاور مع دول كانت مع المعسكر الآخر مثل روسيا. مرة أخرى استخدم بشار الأسد هذه الطريقة للسيطرة، ولكنها في ذاتها ليست أمرًا خاطئًا، وأشرت سابقًا لأهمية بناء تحالفات واسعة النطاق لبناء مرحلة انتقالية مستقرة.

أساليب أسدية لم نرها بعد

(ونأمل ألا نشهدها)

أتقن آل الأسد فن السيطرة لا من خلال تفرقة الناس، ولكن من خلال ضمان عدم قدرتهم على الاتحاد ضدهم. وازدهر النظام بالخوف ــ الخوف من الآخر، والخوف من الفوضى، والخوف من التغيير. في سوريا، لا تعد سياسة الانقسام حادثًا تاريخيًا بل تصميمًا متعمدًا، حيث أن أعظم عدو للدولة ليس الاختلاف وإنما التضامن.

ولتعزيز هذه الوسيلة، سعى النظام باستمرار إلى شيطنة معارضيه باعتبارهم متطرفين. وخلال الثورة السورية، ومع انتشار الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، لم يتردد النظام في وصف معارضيه بأنهم إسلاميون متطرفون، وربطهم بجماعات مثل القاعدة. وقد خدمت هذه الدعاية أغراضاً متعددة. على الصعيد المحلي، عملت على تأجيج المخاوف بين الأقليات والسوريين العلمانيين، وأقنعتهم بأن سقوط النظام من شأنه أن يؤدي إلى صعود دولة سنية ثيوقراطية. وعلى الصعيد الدولي، كانت تهدف إلى تقديم النظام باعتباره الشر الأقل، والقوة العلمانية التي تقف في وجه موجة التطرف العالمي. إن النظام السوري، من خلال تأطير الصراع باعتباره خياراً ثنائياً بين الاستقرار في ظل حكم الأسد والفوضى في ظل حكم المتطرفين السنة، سعى إلى تآكل التعاطف مع المعارضة وتبرير حملته الوحشية.

إن تلاعب نظام الأسد بالطائفية ليس مجرد انتهازي؛ بل إنه منهجي. إنها استراتيجية منسوجة بعمق في نسيج الحكم السوري، حيث تعمل كل سياسة وكل رواية على تعزيز الانقسام. ولم تسمح هذه الاستراتيجية للنظام بالبقاء فحسب، بل ضمنت أيضاً أن أي تحد لحكمه يقابله تفتيت المجتمع نفسه. وبهذه الطريقة، حول الأسد الطائفية إلى نبوءة تحقق ذاتها: فمن خلال إثارة المخاوف من الانقسام، يخلقون الانقسامات ذاتها التي تبرر هيمنتهم المستمرة.

ثم حافظ كل من حافظ وبشار الأسد على قبضة محكمة على السلطة من خلال السيطرة الاستبدادية وقمع المعارضة. أسس حافظ نظامًا حيث تم تصميم المؤسسات وفقًا لاحتياجاته، مع الجيش وأجهزة الأمن وحزب البعث كركائز للسلطة تحت سيطرته المباشرة. واصل بشار هذا النظام، مستخدمًا تكتيكات مماثلة لتعزيز سلطته، وإن كان من الممكن القول إنها أقل استراتيجية من والده. استخدم كلاهما جهاز الأمن لقمع الانتفاضات والسيطرة على المعلومات وإسكات المعارضة، وغالبًا ما كانا يؤطران المعارضة على أنها خيانة أو تهديد للأمن القومي.

في النهاية

من الضروري التأكيد أن نقاط التشابه في هذه المرحلة المبكرة قد لا تعكس نوايا سلطوية كما في نظام الأسد، بل إن بعض هذه النقاط -كبناء التحالفات-، كما هي وسيلة للسلطة، هي أيضًا وسيلة للاستقرار. لذلك فإن هذه المقالة تعمل كوسيلة توعوية مستقبلية، لا كنقدية آنية.

ومن المهم أن نلاحظ أنه في حين ساهمت العوامل السابقة في إطالة عمر النظام، فإن الظروف والتحديات المتغيرة التي واجهها بشار الأسد مختلفة مقارنة بوالده. لقد أدت الثورة السورية وصعود وسائل التواصل الاجتماعي إلى تغيير ديناميكيات السلطة والسيطرة على المعلومات بشكل كبير، مما جعل من الصعب على النظام الحفاظ على قبضته من خلال الوسائل التقليدية.

عندما تولى حافظ السلطة عام 1971، كانت سوريا تمر بفترة من عدم الاستقرار اتسمت بالانقلابات والانقلابات المضادة. وكان حافظ قادرًا على جلب الاستقرار إلى البلاد من خلال استخدام القوة والقمع. كما كان حافظ قادرًا على الاستفادة من الحرب الباردة من خلال استغلال الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في مواجهة بعضهما البعض. وتلقى الدعم المالي والعسكري من كلتا القوتين العظميين، وكان قادرًا على استخدام هذا الدعم للحفاظ على قبضته على السلطة.

أما بالنسبة لبشار فقد أدى صعود وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى زيادة صعوبة سيطرة الأنظمة الاستبدادية على المعلومات. سمحت هذه التكنولوجيا الجديدة للناشطين بتنظيم ونشر رسائلهم، وصعبت على الحكومة قمع المعارضة.

وقد أدت هذه الظروف المتغيرة إلى اضطرار بشار إلى التعامل مع شعب أكثر اطلاعًا وتمكينًا من والده. كما سمحت وسائل التواصل الاجتماعي والإنترنت بالانتشار السريع للمعلومات وتنظيم الاحتجاجات، مما منع بشار من السيطرة على السرد وقمع المعارضة بنفس الطريقة التي فعلها والده. لقد جعل المشهد العالمي المتغير وتوفر التكنولوجيا من المستحيل على بشار أن يحكم بنفس الطريقة التي حكم بها والده.

المشهد، والوعي الشعبي، الذي نأمل أنهما سيُفشلان أي مخططات سلطوية محتملة مستقبلاً.

كتبها

رافاييل لايساندر


قراءات إضافية

The Wisdom of Syria’s Waiting Game Foreign Policy Under the Assads, by Bente Scheller

Syria and the Assad Family The History Behind Bashar al-Assad’s Rise to Power and the Civil War, by Charles River and others.