بالرغم من تفاخُرِنا بعصر التقدم والعلم والتطور، أليس غريبًا، إيماننا بعبادة الأصنام إلى الآن؟ صحيحٌ أن أصنامنا تأخذ شكلاً ومضمونًا مختلفًا، ولكن ما تزال قوة تأثيرها الكارثية على العقل البشري تساوي قوة تأثير القديمة منها. شغفنا الحديث هو حق التصويت العام. فالذين لم يحققوا هذا الهدف، يشنون ثورات دامية للحصول عليه، أما الذين استمتعوا بحكمه، يقدمون تضحيات جسيمة على مذبح هذا الإله القدير. ويلٌ للملحد الذي يجرؤ على التشكيك في هذا الإله! فإن مطالبة المرأة بالتصويت المساوي تعتمد إلى حد كبير على الادعاء بأنه يجب أن يكون للمرأة حق متساوٍ في جميع شؤون المجتمع. لا يمكن لأحد أن يدحض ذلك، إذا كان التصويت حقًا. ولكن للأسف، فإن الجهل الذي يسود عقول البشر يجعلهم يرون الحق في فرضه بالإكراه. أم أنه ليس إلزامًا أكثر صارمة من أن يسن مجموعة من الناس قوانين تجبر مجموعة أخرى على طاعتها كُرهً. ومع ذلك، تصر المرأة على هذه “الفرصة الذهبية” التي سببت الكثير من المعاناة في العالم. وسلبت الرجل من نزاهته واعتماده على نفسه. وهذا فرضٌ قد أفسد الناس تمامًا وجعل منهم فريسة سهلة بيد السياسيين الفاسدين.
أنا لست معارضة لحق المرأة في التصويت على أساس أنها لا تساوي ذلك. فأنا لا أرى أي أسباب جسدية أو نفسية أو عقلية تمنع المرأة من الحصول على حق التصويت المتساوي بحق الرجل. ولكن هذا لا يعني أن تعميني الفكرة السخيفة القائلة بأن المرأة بإمكانها تحقيق ما فشل به الرجل. لأنها إذا لم تجعل الأمور أسوأ بالطبع لن تجعلها أفضل. لذلك، فإن الافتراض بأنها ستنجح في تنقية شيء غير عرضة لذلك، يعني منحها قوى خارقة للطبيعة. نظرًا لأن أكبر مصيبة للمرأة أنه كان يُنظر إليها على أنها إما ملاك أو شيطان، فإن خلاصها الحقيقي يكمن في وضعها على الأرض، أي في اعتبارها بشرًا وبالتالي تخضع لجميع الحماقات والأخطاء البشرية. فهل يمكننا اعتقاد أن خطّأين يمكنهما تصحيح الأمور؟ هل نفترض أن السم المتأصل في السياسة سينقص ما إن خاضت المرأة غمار الساحة السياسية؟ فالنشطاء الأكثر حماسة لحق المرأة في التصويت لن يدعموا مثل هذه الحماقة.
في الحقيقة، أدرك أكثر طلاب العلم المتقدمين في الانتخابات العامة أن جميع أنظمة السلطة السياسية الحالية عبثية ولا تفي بالغرض لمواجهة القضايا العاجلة للحياة. ويُؤيد هذا الرأي تصريح الدكتورة هيلين ل.سمنر- واحدة من المؤمنين بحماس في حق المرأة بالتصويت- في عملها القدير” حق الاقتراع المتساوي”، تقول في تصريحها: “في كولورادو، نجد أن حق الاقتراع المتكافئ يُظهر بأكثر الطرق وضوحًا الطابع الفاسد والمهين للنظام الحالي”.
يقول مناصرو التصويت لدينا، انظروا إلى البلدان والولايات التي تمتلك المرأة فيها حقٌ في التصويت. تعرفوا على ما حققته المرأة في أستراليا ونيوزيلندا وفنلندا والدول الاسكندنافية وفي ولاياتنا الأربع: أيداهو وكولورادو ووايومنغ ويوتا.
والبُعد يُضفي سحراً، أو على النحو البولندي نقول: ” تغدو الأشياء أفضل حيث لا نكون”. ومن ثم يتصور المرء أن هذه الدول والولايات تختلف عن بقية الدول والولايات الأخرى. لديهم حرية ومساواة اجتماعية واقتصادية أكبر، وتقدير أدق للحياة البشرية، وفهمًا أعمق للنضال الاجتماعي الكبير، مع كل الأسئلة الحيوية التي تشملها لصالح الجنس البشري.
يمكن للمرأة في أستراليا ونيوزيلندا التصويت والمساعدة في سن القوانين. لكن هل ظروف العمل هناك أفضل مما هي عليه في إنجلترا، حيث يخوض المطالبات بحق المرأة في التصويت مثل هذا النضال البطولي؟ هل توجد أمومة أعظم، وأطفال أكثر سعادة وحرية مما هم عليه في إنجلترا؟ ألم يعد يُنظر للمرأة هناك بأنها مجرد سلعة جنسية؟ هل حررت نفسها من المعايير الأخلاقية المزدوجة للرجال والنساء؟ من المؤكد أنه لا أحد سوى السيدات السياسيات العاديات ستجرؤ على الإجابة عن هذه الأسئلة بالإيجاب.
لقد منحت فنلندا المرأة حق التصويت على قدم المساواة، بل وحتى حق الجلوس في البرلمان. هل ساعد ذلك في تطوير بطولة أعظم، وحماسة أشد من تلك لدى النساء في روسيا؟ تعاني فنلندا، كما روسيا، تحت سوط القيصر الدموي الفظيع. أين هي البيروفسكايا والسبيريدونوفا والفيغنير والبريشكوفسايا الفنلنديات؟ أين هي الأعداد الكبيرة من الفتيات الفنلنديات اللواتي يذهبن بسعادة إلى سبييريا من أجل قضيتهن؟ تحتاج فنلندا مع الأسف إلى أبطال منقذين. لماذا لم يخلقهم الاقتراع؟ كان المنتقم الفنلندي الوحيد لشعبه رجلًا وليس امرأة، وكان يستخدم سلاحًا أكثر فعالية من ورقة الاقتراع.
أما بالنسبة لدولنا التي تصوت فيها النساء والتي يتم الإشارة إليها باستمرار كأمثلة على الأعاجيب، الذي تم إنجازه هناك من خلال الاقتراع الذي لا تتمتع به النساء إلى حد كبير في الدول الأخرى، أو لا يمكنهن تحقيقه من خلال الجهود الحثيثة بدون الاقتراع؟

والمرأة بطبيعتها محافظة بشكل كبير وعنيدة في محاولتها لجعل الآخرين أفضل مما تعتقد أنهم يجب أن يكونوا عليه. وبالتالي، في ولاية أيداو، حرمت شقيقتها في الشارع من الحق في التصويت وأعلنت عدم صلاحية كل النساء ذات ” السمعة السيئة” بالتصويت. وبالطبع، لا يُفسر هذا المصطلح على أنه الدعارة في الزواج. وغني عن الذكر هنا أنه تم حظر الدعارة والمقامرة غير القانونية. في هذا الصدد، يجب أن تكون القوانين بحاجة إلى العنصر النسائي فهي تحظر دائمًا. يكمن العجب في ذلك أن كل القوانين لا تذهب بعيداً، ولكن ميولهم المطلقة تفتح كل أبواب جهنم. فالدعارة والمقامرة لم تشهدا عملاً مزدهراً منذ أن وضع القانون ضدهما.
في كولورادو، عبرت نزعة المرأة المتزمتة عن نفسها بشكل أشد حدة. “تم إقصاء الرجال الذين يقودون حياة سيئة السمعة والرجال المرتبطين بالحانات من السياسة منذ أن حصلت النساء على الحق في التصويت”. هل كان بإمكان الآباء المتشددين فعل المزيد؟ أتساءل عن عدد النساء اللواتي يدركن خطورة هذا الإنجاز المزعوم. أتساءل عما إذا كانوا يفهمون أن هذا الشيء الذي جعلها، بدلاً من رفعها، جاسوسة سياسيًا، ومتصيداً خسيسًا في شؤون الناس الخاصة، ليس لصالح القضية ولكن كما قالت امرأة من كولورادو:” يحبون دخول البيوت التي لم يسبق لهم أن دخلوها ومعرفة كل ما يمكنهم معرفته، سياسيًا وغير ذلك.” نعم، وكذلك معرفة ما في النفس البشرية وأدق تفاصيلها وزواياها. لا شيء يشبع شهوة معظم النساء مثل الفضيحة. ومتى سبق لها أن استمتعت بفرص كما التي تُتيحها لها السياسة؟
“الحيوات والرجال القذرون بفظاعة مرتبطون بالصالونات” بالتأكيد، لا يمكن وصف السيدات اللاتي يجمعن الأصوات بامتلاك حس قوي بالتناسب. ولو سلمنا جدلاً أنه يمكن لهؤلاء المتطفلون أن يقرروا من هو الشخص الذي يعيش حياة نقية بما يكفي لأن يكون جزءًا من جو السياسية، فهل يجب أن يصنف أصحاب الصالونات ضمن نفس الفئة؟ إذا لم يكن الأمر عبارة عن نفاق وتعصب أمريكي، الذي يتجلى في مبدأ الحظر، والذي يسمح بانتشار الخمر بين رجال ونساء الطبقة الثرية. ومع ذلك يحرص على مراقبة الأماكن الوحيدة المتاحة للرجل الفقير. إذا لم يكن هناك سبب آخر، فإن الموقف الضيق والمتزمت للمرأة تجاه الحياة يجعلها أكثر خطورة على الحرية في أي مكان تمتلك فيه السلطة السياسية. فارجل قد تغلب منذ فترة طويلة على الخرافات التي لا تزال تحيط بالمرأة. وفي الميدان الاقتصادي التنافسي، اضطر الإنسان لممارسة الكفاءة والحكمة والقدرة وجدارته. لم يكن لديه الوقت أو الرغبة لقياس أخلاقيات الجميع باستخدام مقياس متشدد. في أنشطته السياسية، لم يكن معصوب العينين، فإنه يعرف أن الكمية وليس النوعية هي المادة المستخدمة في الطاحونة السياسية، وما لم يكن إصلاحيًا عاطفيًا أو متعصبًا قديمًا، فهو يعرف أن السياسة لا يمكن أن تكون سوى مستنقع.

كتبتها: إيما غولدمان
إيما جولدمان أناركية وناشطة سياسية وكاتبة روسية المولد. لعبت دورًا محوريًا في تطوير الفلسفة السياسية الأناركية في أمريكا الشمالية وأوروبا في النصف الأول من القرن العشرين.
ترجمتها: مروة عيسى

