بلادٌ يَحسدُ فيها الناجِ الميت

في بلدان معينة، عندما تقع كارثة بالشعب، تتحمل الدولة مسؤولية رعاية مواطنيها. وقع زلزال 06-02-2023 على الأتراك والسوريين على السواء، ولكن في تركيا عندما يفقد المواطن كل شيء، ويخرج إلى الشارع بثيابه التي عليه، يحمد الرب على خروجه بسلامة. على النقيض، عندما يخرج السوري القاطن شمالاً في مناطق المعارضة، تتبادر إليه الكثير من الأفكار السوداوية.

في تركيا هنالك تأمين على المنازل والسيارات، أما السوري فيخسر المنزل الذي وضع فيه كل مدخراته دون تعويض. لا يفكر التركي حتى في أوراقه الثبوتية ووثائقه وشهاداته، فهي محفوظة لدى الدولة وقابلة لإعادة الاستخراج بأبسط الطرق، فيما يفقد السوري المقيم في مناطق المعرضة وثائق دراسته وحتى ثبوتيات أولاده بمجرد فقدان الأوراق الرسمية الهشة. هذا الأمر ليس وليد الزلزال، وحتى قوى المعارضة تعامل المواطنين بهذا السيف.

منذ سنتين تقدمت سيدة إلى أحد المجالس المحلية بطلب لاستخراج لوثائق لأطفالها، فطالبوها بأوراق المشفى وثبوتيات الأب وما من شاكلته. أخبرتهم أنها فقدت كل شي في قصف منزلها في حمص وأن والد الأطفال تركهم وهرب منذ مدة بعيدة، إلا أنهم لم يقتنعوا وأصروا على الأوراق. عندما اشتكت إلى المجلس المحلي وأخبرته أنهم يمارسون عليها بيروقراطية مماثلة لبيروقراطية النظام انهال عليها بالشتائم وقال لها: “إن لم يعجبك عودي إلى النظام” و “ليست مشكلتي من أين تأتين بالأوراق، لكن من دونها لن نسجل الأطفال”.

كذلك حاولت سيدة، احترق منزلها في الغوطة، تعديل شهادتها للتسجيل في جامعات الشمال السوري لكنها ووجهت برفض مماثل، وخيرت بين إعادة الدراسة من الصفر أو التوقف عن ملاحقتها.

يحتفظ الأتراك بأموالهم في البنوك حيث يستطيعون سحبها بعد إثبات الهوية، فيما تذهب أموال السوريين مع منازلهم. وفي طرفة عين، تتحول عائلات محترمة تستطيع الاعتماد على نفسها وتعيش حياة كريمة إلى عائلات تنتظر الإحسان لشراء لقمة طعام.

لذلك ترى السوري، بدل أن يسرع لإنقاذ حياته، يسارع لتجميع مقتنياته الثمينة ووثائقه، وعندما ينجو يسرح في مستقبل سوداوي، يجعله يفكر هل كانت النجاة هي فعلًا خيرًا لي؟

يعتقد البعض أن مهمة الإنقاذ انتهت وتكللت بالنجاح بمجرد إنقاذ الضحايا من أسفل المباني المهدمة، لكن أولئك الذين نجوا بحاجة الكثير من الدعم والرعاية ليُنقذوا بعد.  

كتبها: رافاييل لايساندر

ناج من الزلزال