الحارث صقر شاب في الرابعة والثلاثين من العمر، له طفلتان إحداهما تذهب إلى المدرسة. الحارث من غوطة دمشق، ولد وقضى عمره فيها، ودرس في جامعة دمشق علم الاجتماع.
لأنه لم يعرف أي مكان سوى الغوطة، وأحب أهلها وشعر أن الغوطة كلها هي بيته، لم يرد أن يتركها مع حملة القصف والحصار الذي واجهته. تزوج خلال تلك الفترة وأنجب طفلته الأولى.
رغم كل ما كانت تعنيه له الغوطة إلا أنه تعرض للتخوين والمضايقات من بعض سكانها أنفسهم بسبب آراءه “الليبرالية”. مع ذلك لم يتخلى عنها، حتى أُخرج منها مكرهًا مع بقية أهالي الغوطة الرافضين للتسوية مع النظام.
كان الحارث ابن عائلة ميسورة، وأموره المعيشية بخير، لكنه اضطر للبدء من الصفر في إدلب بعد النزوح. كونه شابًا نشيطًا وذكيًا استطاع تدبر عمل والانطلاق بحياته من جديد، وشارك فوقها في العمل مع مجلة ميتامورفوسيس للكتابة وتحرير عما يحبه من تاريخ سياسة. في هذه الفترة رزق بابنته الثانية.
كان الحارث متفائلاً بقدرته على الوقوف مرة أخرى على قدميه وعدم إطراره للاعتماد على الآخرين، وأنه مع عائلته التي يحب بكامل سلامتهم، وبقيت أمنيته التي يتوقف عندها متأملاً وسط كل سيرة ذكرياته في الغوطة واحتمال عودتها إليها يومًا ما.
أعجب زملائه وأصدقائه بلطفه وكذلك بعقله، وكان هو وزوجته مضيفين كرماء رغم كل ما مرو به وضعف إمكاناتهم. يتذكر الأصدقاء أحكام الحارث الواثقة، ورفقته اللطيفة، والطريقة التي كان يتألم بها خوفًا من أن آراءه أزعجت أحدًا ما. كتب تحت أسماء عدة، ورفض كثيرًا لأن أحدًا لم يسمع به، ولكن همه كان نشر الأفكار المؤثرة، وفضح الظلام بدلاً من الشهرة الشخصية. ومثل معظم الصحفيين، كتب مقالاته في الساعات القليلة الأخيرة قبل الموعد النهائي، على الرغم من أنه قضى أيامًا في البحث عنها والتمحيص فيها.
كانت وفاته مع عائلته في زلزال 06-02-2023 بعيدًا عن موطنه الذي أحب فراقًا قاسيًا.
كتبها: رافاييل لايساندر

